إلى الرئيسية

إدريس الأندلسي : يريدون جنسية و رجوعا و لكننا نريد مواطنا

ورد في الأخبار أن مقترحا قانون وصل إلى البرلمان عبر عريضة وقع عليها 2000 مغربي. لم يسمع الكثيرون عن هذه العريضة قبل أن تصل إلى فضاء التشريع ببلادنا . الأمر لا يتعلق بمشروع قانون يتعلق بميدان يهم الفلاحة أو التجارة أو التعليم و الصحة أو تغيير مدونة الانتخابات أو حتى قانون يقمع بصفة فعالة الاثراء غير المشروع. الأمر، و ما فيه، يتعلق بقضية خطيرة و قريبة و مؤلمة سجلتها فترة الستينات في بلادنا. ” فين ماشي يا موشي” . الأمر يتعلق بجريمة اقترفتها الوكالة الصهيونية قبل عشرات السنين في بلادنا و في بلاد أخرى. تسللت أيدي هذه الوكالة إلى مواطنين مغاربة يهود لتحطم علاقتهم ببلادهم و لتفرض عليهم مغادرة كثير من مدن المغرب في إتجاه المجهول إجتماعيا و المعلوم سياسيا و ” دينيا ” .

كان مئات الآلاف من المغاربة اليهود يعيشون في أمن و امان في بلادهم. و شاءت الوكالة الصهيونية أن تعبث بهم و بحياتهم، وسلطت عليهم كل أشكال الترهيب عبر أجهزة استخبارات الموساد . و بدأت عمليات التهجير سنة 1961 و أستمرت سنة 1964 نتج عنها خروج حوالي 97 ألف يهودي مغربي من بلادهم بطريقة أحيطت بكثير من السرية .و كان جزء من مؤسساتنا المغربية على علم بالموضوع الذي تحول إلى صفقة، قيل أن بطلها، الجنيرال اوفقير، صاحب الماضي الدموي و عدو الحركة الوطنية. كل من شاهد فيلم ” فين ماشي يا موشي ” يتذكر تلك المأساة التي أصابت المجتمع المغربي بعد عملية تهريب منظمة لجزء كبير من المواطنين الذين كانوا مغاربة يهود . يربط هذا الفيلم، الذي أخرجه حسن بن جلون سنة 2007 ، بين غلق حانة أو ” بار” في مدينة أبي الجعد و مغادرة اليهود في إتجاه وطن آخر صنعه الإستعمار البريطاني في قلب فلسطين. يتناول هذا الفيلم بكثير من الواقعية صعوبة إختيار المغادرة إلى المجهول و كذلك الضغط على مواطنين مغاربة بالترهيب ، و شيء من الترغيب الكاذب الممتزج بقرار صهيوني و بريطاني، للسطو على أرض الفلسطينيين.
وبقيت كثير من العائلات اليهودية في بلادها في كثير من المدن المغربية. ساهموا في الحياة السياسية و النقابية و الإقتصادية و الرياضية. منهم من كان معارضا سياسيا و قضى فترة اعتقال طويلة كأبراهام السرفاتي و سيون اسيدون، و منهم من ساهم في إثراء الأدب و الدراسات التاريخية كالبير عياش و ادمون عمران المالح، و جزء منهم أغنى المكتبة الفنية الغنائية. و وصل بعضهم إلى مراتب عليا في الدولة.

يروي الكثيرون من المهجرين عبر ميناء طنجة كيف عاشوا نكبة الهجرة في الوقت الذي عاش فيه شعب فلسطين نكبة كبرى جراء جرائم عصابات الصهيونية من قتل و تهجير و سلب للأراضي و الممتلكات. وصل يهود شمال افريقيا و الشرق، و بعضهم مات خلال السفر، إلى فلسطين. وجدوا أنفسهم فريسة بين يدي يهود شرق أوروبا الاشكيناز و عاشوا تحت سطوتهم و اذلالهم . لكنهم قبلوا بالذل و الإهانة و دخلوا إلى المشروع الصهيوني بكل قواهم. أصبحوا ضمن القيادات المخابراتية و العسكرية و الإقتصادية و الأكثر قسوة في معاملة أصحاب الأرض الفلسطينيين من المسيحيين و المسلمين.

لا يمكن أن يجزم أحد على أن المغاربة اليهود الذين استجابوا لنداء أو ضغط الوكالة الصهيونية قد تخلوا عن هويتهم الثقافية المغربية. ظلت طقوس حياتهم ملتصقة بماضيهم و قريبة من الثقافة المغربية. و لكن وجودهم في قلب المشروع الصهيوني تغلب على ولاءهم لجذورهم و ثقافتهم الأصلية . خدموا في مؤسسات المخابرات و الجيش و كانوا ممن تلطخت أيديهم بدماء أطفال و نساء و شيوخ فلسطين. حملوا السلاح و واجهوا الجيش المغربي خلال حرب 1973 في سيناء و الجولان. و لا زالوا يساهمون في إهدار الدم الفلسطيني و ارتكاب جرائم الحرب.
و هنا وجب الكلام بصدق و موضوعية عن عريضة استغلت مادة دستورية تشجع على الديمقراطية التشاركية لتتسلل إلى منطقة حساسة في قناعات المغاربة المتجذرة في قلبهم و ترابهم و معتقداتهم. عاش المغاربة محنة النكبة و احتلال القدس و إحراق المسجد الأقصى و تهجير الفلسطينيين و سلب أراضيهم و جريمة المستوطنات و قتل الأبرياء، و لا يمكن أن تمحى هذه الجرائم من ذاكرتهم. قد يجتهد المطبعون، ذوي الأغراض الدنيئة، في محاولة غسل الادمغة. و لكنهم سيظلون مجرد صفر في معادلة ربط الصهيونية بكل ما أصاب فلسطين و العرب من سايس بيكو إلى وعد بلفور و الاحتلال و النكبة.

لا يخفى على أحد أن اليهود الذين كانوا مغاربة لهم أجداد و أولياء و معابد و مقابر بالمغرب يزورونها بإستمرار. و لا يمكن أن نقرأ عريضة تطالب بمنح الجنسية لمئات الآلاف دون أن نشك شكا منطقيا في من اختاروا هذه المرحلة لوضعها أمام المشرع المغربي. الأمر فيه الكثير من الأخطار التي تعرفها أجهزة الدولة . و لكل هذا وجب القول أن من وقع على العريضة لا يمكن أن يتخفى وراء مبدأ دستور يحمي الوطن لكي يتسلل إلى الإضرار بأمن الوطن. و للبيت رب يحميه.

أظهر المزيد

مقالات مماثلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button
Close

اكتشاف أداة لحظر الإعلانات

يبدو أنك تستخدم أداة لحظر الإعلانات

يرجى السماح بعرض الإعلانات على موقعنا، فنحن نعتمد على الإعلانات كمصدر لتمويل موقعنا الإلكتروني