هل لك القدرة يا وزير الصحة على الحماية الاجتماعية ؟

وصلتني رسالة على الواتساب تبين أن وزير الصحة يقارع بالحجة بعض الأطباء في مستشفى عمومي على أسباب عدم تشغيل خدمات التشخيص الإشعاعي. الأطباء يحاولون تبرير وضعية إنجاز مهامهم ونبرة الوزير تزداد حدة كأنه يكتشف لأول مرة واقع تدبير قطاع يرزح تحت سوء حكامة منذ عقود. والمسؤولية يتحملها جميع من أوكلت إليها مسؤولية تدبير مستشفى إقليمي أوجامعي أو حتى رؤساء المصالح.

وأول المصالح المسؤولة تلك التي أوكل لها القانون والمراسيم والقرارات والدوريات مهمة التفتيش والافتحاص وتقييم مؤشرات الإنجاز. وزارة الصحة تحتاج إلى هيئة كبرى للتفتيش للخدمات الصحية في القطاعين العام والخاص. الأمر يتطلب هيئة عالية الكفاءة والتجربة والتجرد من كل تبعية لمصالح ذات طابع مؤثر، بشتى الوسائل، على المفتش. المشهد، الذي تم تصويره لغرض نرفزة الوزير، فيه كثير من الإخراج الذي يستعمل لزيادة تدمير العاملين بالقطاع العام الصحي.

من المؤكد أن السيد الوزير، الذي أعيد إلى منصبه، بعد أن تم إبعاد من تم تنصيبها خطأ، وهي المنتخبة لتدبير شؤون أكبر مدينة بالمغرب وهي مدينة الدار البيضاء، يريد أن يلعب بكثافة دور الساهر الأمين على قطاع الصحة. اللعبة أكبر منه لأنها تتطلب مواجهات شركات الأدوية والمستلزمات الطبية وممارسات الكثير من المصحات الخاصة التي ترهق القدرة الشرائية للمواطنين وتجعلهم عرضة للهشاشة للولوج إلى الخدمات الصحية.

منذ عقود والمواطنون يشتكون من ممارسات غير قانونية حين يضطرون إلى خدمات طبية في القطاع الخاص. ومنذ عقود والمواطن لا يجد لدى الوزارة من يؤازره. حين يكون المواطن مضطرا وعاجزا أمام مواجهة المرض، يوقع على شيك الضمان وقبول الأداء نقدا دون فاتورة. لعنة ألله على من يستغل لعنة المرض ليزيد من آلام المرضى وعائلاتهم. ولكن هذه اللعنة ستطال من لا يقوم بدوره لحماية المواطن أمام من يجبرونه على الرضوخ لشروطهم غير القانونية وغير الأخلاقية.

ولا أثر للدراسات الإكتوارية على القرار السياسي وعلى وعي حقيقي للمنظمات النقابية بضرورة الانفتاح على ضرورة المشاركة في حل مشكل التغطية الاجتماعية. ما معنى ألا يتم تسقيف المساهمات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ويتم تسقيفها في مستوى محدد في الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي. وما معنى أن يتم توسيع قاعدة المنخرطين في الصندوق الأول دون التفكير في إدراج الصندوق الثاني في مشروع التغطية الاجتماعية. هل انتبهت أيها السيد الوزير أن البنية المالية التي أسست عليها كل آليات البرنامج الملكي بنيت على استدامة الخدمات التي تقدمها مؤسسات التدبير لمنظومة التأمين الإجباري عن المرض.

السيد الوزير يعلم علم اليقين أن التوازنات المالية للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي في كف عفريت. السبب ليس سوء تدبير ولكن سوء استماع وتجاهل الحكومة للضغط الديمغرافي على تطور نفقات هذا الصندوق. زادت ملفات الأمراض طويلة الأجل بنسبة كبيرة وصلت تكلفتها إلى أكثر 55% من نفقات الصندوق بعد أن كانت لا تتجاوز 20 % قبل عشر سنوات. الوكالة الوطنية للتأمين الصحي التي أريد لها أن تصلح آلية للتحكيم والوساطة تتبع كليا لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية. هذه الوكالة لا تعير أي اهتمام للتوازنات المالية وتعمل فقط على اتخاذ قرارات تحكيمية تشكل استثناءات للقواعد المنظمة لمؤسسات تدبير التأمين الإجباري عن المرض. يجب على الوزير أن يكون مسؤولا على ديمومة آليات الحماية الاجتماعية.

قد تتخذ الوكالة الوطنية للتأمين الصحي والوزارة الوصية قرارات لتغيير التعريفة الوطنية المرجعية ورفعها، وهذا شيء مرغوب فيه، ولكن هل تمتلك الحكومة القدرة على تحصين التوازن المالي لصناديق التأمين الإجباري عن المرض. أيها الوزير الذي يريد محاسبة موظفين وأنت مرفوق بكاميرات، هل فكرت للحظة أن اللعبة خطيرة جدا. هل تريد زيادة منسوب هجرة الأدمغة الطبية إلى الخارج. كفى من تحميل كل الأطر الطبية في مستشفيات الدولة عبئ سوء التدبير واختلالات الخريطة الصحية التي كانت ضحية سوء تدبير سياسي بالدرجة الأولى. لو شاء التاريخ والقدر أن تستمر كوزير، فستكون الأول الذي سيساهم في إضعاف آليات التغطية الصحية.

منذ سنين والصناديق التي تخدم كبار الفلاحين وكبار الصناعيين وكبار العقاريين وكبار المسيطرين على سوق المال والمناجم والماء والطاقة تتضخم وتسيل دعما لهم. وسيظل الفلاح الفقير بعيدا عن دعم صندوق التنمية الفلاحية وسيظل أصحاب الاستغلاليات الكبرى أصحاب قرار ومتسببين فيما سيؤول إليه الوطن. الأمر ليس بالجديد على طريقة سعي الدولة لخلق المقاولين الكبار. منح كبيرة قدمت لكبار القوم في قطاعات الصيد البحري والسياحة والفلاحة والصناعة. والنتيجة كانت تطور اقتصاد الريع وتزايد حجم القطاع غير المهيكل بشكليه الكبير والمعيشي. وسيظل السؤال المهم هو: من يستفيد من موارد البلاد.

الجواب يضع مؤسسات الدولة في موقع المساءلة. لدينا منظومة مالية عمومية تفضل دعم الكبار وإنتاج خطاب سياسي لإضعاف الصغار وإلباسهم جبة الضعيف الذي يخطئ كل المواعيد لخلق الثروة. وبالرجوع إلى قطاع الصحة، كل الرسائل تبين أن الدولة تحبذ وضع الفقراء أمام جشع الأغنياء. غاب الراميد والبديل بطاقة تخيرك بين قطاع خاص له كل التجهيزات والمؤهلات، بما في ذلك هروب بعض أطباء القطاع العام خلسة إلى المصحات الخاصة. وتظل الوزارة الوصية غير ذات سلطة على ممارسات القطاع الخاص. المراقبة أيها السيد الوزير ليست مناسبة لتصوير تأنيب موظفين قد يغادرون مستشفياتنا.

المراقبة تتطلب حماية المواطن من أجل ضمان خدمة طبية مستجيبة لكافة معايير الكفاءة. السيد الوزير يجب أن يكون إلى جانب المواطن لمحاربة شيك الضمان والدفع نقدا دون فاتورة. وصلتني رسالة من الصندوق الوطني لمؤسسات الضمان الاجتماعي تؤكد على مستوى التحملات. سأذهب إلى مستشفى جامعي دولي ويحمل إسم رئيس عربي كان يحب المغرب وسأكون مرتاحا إذا تمكنت من استرجاع شيك الضمان.

” باراكا من التمثيل والهضرة الخاوية”. التأمين الإجباري عن المرض شعار يضعف قدرة المواطن على مواجهة تكاليف المرض ولا يحمي التوازنات المالية لمؤسسات التأمين الإجباري عن المرض. صحيح أن بعض المصحات التزمت باحترام التسعيرة الوطنية ولكن الغالبية لا تحترمها. حاول سلفك الأستاذ الوردي أن يحد من ظاهرة هروب الأطباء خلسة إلى المصحات الخاصة، خارج ما هو مسموح به، فهاجمه أصحاب المصالح وفرحوا كثيرا عندما غادر الوزارة. وللتاريخ كان هذا الرجل حاملا لمشروع إصلاحي تكسر على صخرة أصحاب المصالح الأقوياء وذوي التأثير على القرار.

افيقي يا حكومة رفعت شعار، “الدولة الإجتماعية ” أنظمة التقاعد في خطر وأنظمة التغطية الاجتماعية مقبلة على الإفلاس. اهتموا أكثر من اللازم بالأغنياء جدا واعتبروا أصحاب الدخل المحدود ضحايا لسياساتكم المقيتة. لكنكم ستضطرون للخضوع إلى كافة أنواع المساءلة. كل من يعيش في برج عاجي سيضطر يوما من النزول إلى الأرض.

الأهم والأولوية هي حماية المواطنين في كل المجالات الاجتماعية وعلى رأسها المجال الصحي. ملك البلاد يعمل على خلق إطار جديد وكبير لضمان الحق في الولوج إلى العلاجات لكل المغاربة، ولكن قوى تجميد الولوج إلى هذا الحق كثيرون. أيها الوزير المحترم، نتمنى أن تدخل إلى تاريخ بلادك في قطاع الصحة بالسهر على التطبيق الصحيح لتوجيهات ملك البلاد.

أظهر المزيد

مقالات مماثلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button
Close

اكتشاف أداة لحظر الإعلانات

يبدو أنك تستخدم أداة لحظر الإعلانات

يرجى السماح بعرض الإعلانات على موقعنا، فنحن نعتمد على الإعلانات كمصدر لتمويل موقعنا الإلكتروني