حفلات سلطان الطلبة: تقليد فني وأكاديمي يعكس روح الإبداع والتسلية في الجامعات المغربية

تعتبر حفلات سلطان الطلبة من أبرز وأغرب التقاليد الطلابية التي تمتاز بها جامعتا ابن يوسف في مراكش والقرويين في فاس. هذا التقليد الفريد يعد من أروع مظاهر الاحتفال التي تعكس تراثًا عريقًا يجمع بين الطرافة والجدية، ليخلد ذكرى تاريخية تمثل انتصارًا للعلماء على التحديات السياسية في فترات مضت.
نشأة عادة حفلات سلطان الطلبة
تضاربت الآراء حول بداية هذه العادة، لكن الرأي الأكثر تداولًا يفيد بأنها نشأت في فترة حكم ابن مشعل اليهودي الذي كان يُعتبر سيدًا مطلقًا في المناطق المجاورة لتازة. بسط هذا الأخير سلطته على فاس وأجبر سكانها على تقديم هدية سنوية له تتمثل في أجمل فتاة من المدينة. وكان من بين طلبة القرويين في ذلك الوقت مولاي الرشيد العلوي، الذي قرر التصدي لهذه الإهانة بإرسال نفسه متنكرا في زي فتاة لإخفاء شخصية شريفة من العائلة العلوية كانت قد اختيرت كهدية لهذا اليهودي. نجح الرشيد في تنفيذ خطته وقتل ابن مشعل، ليقرر بعد ذلك تخليد هذا الحدث بإقامة حفلة سنوية بمشاركة طلبة القرويين، عرفت لاحقًا بحفلات سلطان الطلبة.
حفلات سلطان الطلبة: طقوس احتفالية وعادات مميزة
تتزامن حفلات سلطان الطلبة مع موسم الربيع الذي يتميز بجو لطيف يعزز من رغبة السكان في الاستمتاع بالطبيعة. يخصص الطلبة هذه المناسبة للاحتفال ويأخذون بها استراحة من متاعب الدراسة. في البداية، يتم تنظيم اجتماعات بين الطلبة في مدرسة ابن يوسف لمناقشة تفاصيل الحفل. يتم الإعلان عن “سمسرة السلطنة” بين الطلبة الذين يتنافسون على شرف أن يصبح أحدهم سلطان الطلبة لهذا العام. بعد المزايدة، يُعلن اسم الطالب الفائز، ويبدأ التحضير لاختيار مساعديه ومنظمي الحفل.
تنظيم الحفل والأنشطة المصاحبة له
بعد اختيار سلطان الطلبة، يبدأ الطلاب في تحضير كافة الأمور اللازمة للحفل الذي يستمر لمدة أسبوع كامل. من بين الإجراءات المتخذة تجهيز المرافق العامة وتحضير الهدايا التي ستقدم للسلطان، بما في ذلك تبرعات من تجار المدينة وأعيانها. يرافق السلطان موكب رسمي إلى جنان الحارثي حيث تقام فعاليات الحفل. ويعين السلطان “محتسبًا” يتولى مراقبة الأسواق ومراجعة الأسعار في جو من الهزل والمرح.
الأنشطة الهزلية والطابع الاحتفالي
يعد جانب الهزل والمرح جزءًا أساسيًا من حفلات سلطان الطلبة. يتخلل الحفل خطب فكاهية يلقيها الخطيب الهزلي أمام السلطان والجماهير، حيث تتنوع الكلمات بين الثناء على الجهود المبذولة وبين المزاح. وفي نهاية الحفل، يتم تقديم “مرغوب” من سلطان الطلبة، وهو عبارة عن منح بعض الطلبة وظائف أو إطلاق سراح أحد المسجونين. وتُكتب هذه القرارات في شكل ظهير يمضيه السلطان.
تختتم حفلات سلطان الطلبة بعد أسبوع من الاحتفالات، حيث يعود السلطان إلى مدرسته سراً، حفاظًا على روح التواضع، ولكي لا يظن أنه نال شرفًا أعلى من إخوانه الطلبة.
تظل حفلات سلطان الطلبة تمثل جزءًا مهمًا من التراث الطلابي في المغرب، حيث تمزج بين التقاليد الأكاديمية والمرح الشعبي، لتصبح مناسبة سنوية تخلد تاريخًا نضاليًا بأسلوب مميز يعكس التنوع الثقافي للجامعات المغربية.